Pressroom

رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي: سيدر قد يحتاج الى تحديث بعد التغييرات الأخيرة

راغدة صافي – مجلة الأمن العام – عدد 93 – حزيران 2021

الادارة العامة والحوكمة في بناء مؤسسات فاعلة وخاضعة للمساءلة والادارة الرشيدة، وبناء قدرات الموظفين الحكوميين وكفاياتهم، والتزام الدول تحقيق اهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ، مواضيع باتت تطرح بقوة في السنوات الاخيرة وتصب في اطار الجهود المبذولة للتقدم في مسار التنمية، وهي تشكل الاهداف الرئيسية لعمل لجنة الامم المتحدة للخدمة العامة.

منذ العام 2001 تشغل لميا مبيض البساط منصب رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي في وزارة المال، بناء على اقتراح من الجانب الفرنسي. وقد عيّنها الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس عام 2018 في لجنة الامم المتحدة للخدمة العامة التابعة للمجلس الاقتصادي الاجتماعي في منظمة ،UN-CEPA لتتولى هذه السنة منصب نائبة الرئيس في المنظمة.

“الامن العام” التقت البساط وحاورتها بازاء رؤيتها للواقع الاقتصادي – التنموي في لبنان والعالم العربي: “لجنة الامم المتحدة للخدمة العامة هي جزء من المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للامم المتحدة، وهي تعمل بتوجيهات المجلس ضمن منظومة لجان تضم خبراء ينتقيهم الامين العام للامم المتحدة شخصيا بناء على خبرتهم ومهنيتهم وتأثيرهم في المجتمع التنموي. خلافا لمناصب رئيسية اخرى في الامم المتحدة، فان الترشيحات لهذه اللجنة لها آلية قائمة في ذاتها لا ترتبط بدول ولا بترشيحات سياسية حرصا على استقلاليتها، اذ يقوم الامين العام باختيار اعضائها الذين ينتخبون في ما بينهم رئيسا ونائبا له، ويعملون جميعا ضمن نطاق محدد مسبقا يتعلق بمواضيع تنموية، وبشكل خاص اجندة التنمية المستدامة 2030 “.

■ كيف يمكن لهذا المنصب ان يساعد لبنان والمنطقة العربية ككل؟
□ اسعى من خلال عملي في هذه اللجنة الى ايصال صوت المنطقة العربية وخصوصيتها وتحدياتها التنموية الى صلب القرار الاممي عبر التوصيات التي نرفعها الى المجلس الاقتصادي الاجتماعي، تمهيدا لمناقشتها من قبل الدول الاعضاء واقرار ما يناسب منها. المنطقة العربية صوتها ضعيف جدا في المسائل التنموية داخل المجلس الاقتصادي الاجتماعي بسبب طغيان التحديات السياسية فيها، مما يؤدي الى تراجعها بشكل كبير عن معالجة المواضيع التنموية الاساسية. وقد ادت جائحة كورونا الى تفاقم الازمات المرتبطة بهذه المواضيع، بحيث بات التعلم مثلا مرتبطا بامتلاك الوسائل التكنولوجية المتقدمة، وهذا موضوع ناقشناه في اللجنة واصدرنا في شأنه توصيات تحث الامم المتحدة والدول الاعضاء على معالجة الفوارق التي تحدثها التكنولوجيا في موضوع التربية، واعتباره من الاولويات. كذلك ناقشنا الدور الكبير الذي اظهرته الجائحة لصغار العاملين ومدى اهميتهم في هذه الظروف، كالعاملين في الكادر الصحي والممرضين والذين لم يكونوا ضمن الاولويات في السابق.

■ منصب الرئيس ونائبه في اللجنة تشغلهما امرأة، كيف يمكن ان يؤثر ذلك على عملها؟
□ وجود المرأة في هذا المنصب يسمح بقيام حوار اكثر شمولية وتنوعا يتفهم ويتبنى منظور المرأة، وهذا ما يظهر بشكل واضح جدا في اجندتنا وفي التوصيات التي نرفعها الى المجلس الاقتصادي الاجتماعي. ركزنا فيها هذه السنة على وجوب وضع آليات عملية للحد من العنف ضد المرأة بشكل خاص،  ارساء قواعد مؤسساتية تضعها الدول وتلتزمها الوزارات المعنية بهذا الموضوع بشكل مباشر او غير مباشر، فنحن نسعى الى معالجة كل الملفات من زاوية المؤسسات ودورها.

■ يتوافق انتخابك مع انهيار المنظومة الاقتصادية في لبنان بشكل كامل، فهل الامل في اعادة النهوض لا يزال قائما؟
□ يتزامن انهيار المنظومة الاقتصادية في لبنان مع انهيار كبير للمنظومة المؤسساتية. الامل موجود دائما، ونحن نلمس ذلك باستمرار خلال عملنا في اللجنة، نستقبل ممثلي دول يتحدثون عن مسار بلادهم في اجندة التنمية 2030 . لا يمكن ان يخرج لبنان من المسار الانحداري الذي يسير به حاليا الا من خلال قرار داخلي للسير باصلاحات موجعة ذات رؤية يقوم بها اشخاص رؤيويون من خارج المنظومات المعتادة، وهذه مسؤولية مجتمعية. اذا بقينا بعيدين من ذلك، لن نتمكن من استقطاب اي اهتمام او دعم دوليين ولا حتى استعادة الثقة الدولية، وسنكمل في المسار الانحداري بارادتنا. وفق دراسة اعددتها لتقييم منظومة الشراء العام، تبين ان لبنان يتساوى في المرتبة مع بنغلادش وموزامبيق. هذا هو مستوانا حاليا.

■ هل يجب العودة الى الاصلاحات التي نص عليها مؤتمر سيدر؟
□ ليس بالضرورة. قد تكون مقررات هذا المؤتمر في حاجة الى تحديث بعد كل التغييرات التي شهدناها وتراجع الاوضاع الاقتصادية بشكل مخيف. يجب العودة فورا الى مسار الاصلاح مع اشخاص رؤيويين ذوي اختصاص ويتمتعون بصدقية دولية تمكنهم من مخاطبة واقناع الجهات والمؤسسات الدولية.  كذلك لا بد من العودة الى التفاوض مع المجتمع الدولي عبر اشخاص مشهود لهم باحترافهم وجدارتهم وصدقيتهم على الصعيد العالمي، فضلا عن تأمين قرار مجتمعي للسير بهذا المسار الموجع، علما انه الوحيد الذي في امكانه تقصير فترة الالم على المدى الطويل.

■ الى اي مدى اصبح لبنان بعيدا من اجندة التنمية؟
□ لبنان غائب عن الساحة التنموية منذ اكثر من عشر سنوات، فالمؤتمرات وحدها غير كافية للسير بالتنمية. بات الامر يتطلب تبني سياسات تنموية عامة تشمل مختلف القطاعات، كالحماية الاجتماعية المتوازنة والعادلة للناس. فهل يعقل ان يحظى فقط عشرون في المئة من سكان لبنان بحماية اجتماعية، في  حين سيكون 80 في المئة منهم معرضين لخطر الانهيار الاجتماعي والوصول الى الفقر المدقع بسبب تخاذلنا في وضع سياسات اجتماعية تنموية؟ اثبتت جائحة كورونا اهمية كبيرة لوجود هذه السياسات، فبعدما اجبر المواطنون في كل دول العالم على ملازمة منازلهم والبقاء من دون عمل وبلا مدخول  لفترات طويلة، ظهرت مدى قوة بعض الدول، لاسيما التي تتمتع بمنظومات اجتماعية. فقد تمكنت هذه الدول من حماية سكانها وقواها العاملة وشبابها والعائلات الضعيفة والمجتمعات المهمشة من خلال سياسات معينة كانت تعتمدها في الاساس، في حين عانت الدول الفاقدة لانظمة الحماية الاجتماعية  والتنموية من صعوبات اجتماعية ومالية واقتصادية كثيرة سترافقها حتى ما بعد انتهاء الجائحة. الدول التي تملك احتياطات مالية وادارة مالية جيدة مع احتياطات لزمن الازمات، استعملت احتياطاتها لدعم الصناعات الاستراتيجية الاساسية كما فعلت فرنسا مع شركة Air france ، وكما دعمت الولايات المتحدة قطاع انتاج السيارات وغيره. هذا الدعم كان مرتبطا باجندة التنمية، ومشروطا بالتحول الى انماط مستدامة بيئيا. لقد نجحت هذه الدول في الاستفادة من الازمة عبر تحويل انماطها الانتاجية الى انماط مستدامة لحماية مجتمعاتها، وخاصة الشبابية منها. في المستقبل سيتسع الفارق بيننا وبينها اكثر فاكثر.

■ كيف ساعدتك سنوات الخبرة في معهد باسل فليحان في عملك داخل اللجنة؟
□ سبق وعملت في منظومة الامم المتحدة من خلال UNDP و ESQUA وعبر رصيدي المهني. امتلك جذورا في المؤسسات الاممية ولذلك دور مهم، لكن وجودي على رأس المعهد والنشاطات الاقليمية التي اضطلع بها ومنها انشاء شبكة معاهد التدريب الحكومية في منطقة الشرق الاوسط، اوجد مساحة حوار في المنطقة حيال مواضيع الحوكمة لم تكن موجودة سابقا. فعلى مدى 12 سنة، تمكنت شبكة معاهد التدريب من الربط بين واضعي السياسات ومراكز ومعاهد الادارة في كل القطاعات في العالم العربي، وايجاد ادوات عمل مشتركة واعداد برامج تدريبية وتبادل للخبرات بين المؤسسات حول نماذج الموازنات المراعية للجندرة وغيرها، وتبادل المعارف. كل ذلك لفتت انتباه الامم المتحدة، وفي احد اجتماعاتنا في المغرب فوجئنا باشخاص من الامم المتحدة يطلبون منا حضور نشاطاتنا، لذا اعتقد ان ذلك كان له الاثر الاكبر في ما وصلت اليه حاليا.

■ هل ستتمكنين من التوفيق في عملك في هذين المنصبين؟
□ وجودي في هذه اللجنة لا يقتضي حضورا في مدينة نيويورك، بل يتطلب مشاركة في الحوارات وعملا بحثيا نعرضه خلال اجتماعنا السنوي الذي يمتد على مدى اسبوع واحد. كما ان العمل والتجربة والمعاناة التي نعانيها في العالم العربي ومشاركتنا في النقاشات العربية تغذي في حد ذاتها حضوري  خلال هذا الاسبوع.

Resources