Pressroom

كشف الارقام يحوّل كلّ فرد إلى "خفير مالي" فهل تبدأ المساءلة والمحاسبة؟

خالد أبو شقرا

“موازنة المواطنة والمواطن” صيغة مبسطة عن الموازنة العامة في متناول الجميع قراءةً وتحليلاً


قبل 17 تشرين الاول كانت شريحة واسعة من المواطنين “تدير ظهرها” لأرقام الدولة المالية. جلّ اهتمامها كان محصوراً بالدين العام وحصة الفرد منه. وكانت عبارة “بيخلق الطفل وعليه 15 ألف دولار دين” هي الأكثر تعبيراً عن ثقافة مالية منقوصة.

عشرات آلاف الصفحات من موازنات، تتضمّن ما هو أخطر من الدين العام، ظلت مدفونة تحت طبقات من التعقيدات والمصطلحات التقنية وصعوبة الوصول الى المعلومات. وباستثناء الخبراء في الشأن المالي، فان فك رموزها كانت بالنسبة للسواد الاعظم من المواطنين كـ”علم الصواريخ”. فابتعدوا عنها، وابتعدت شراكة المواطنين الفعالة في النقاش العام حول الموازنات، وما تتضمنه من سياسات ومقاربات لها بالغ التأثير على واقعهم ومستقبلهم. غاب “هر” المحاسبة المبنية على المعرفة، ولعب “فأر” التفرد بالصرف العشوائي والاستدانة والتوظيف السياسي لسنوات طوال، حتى وصلنا إلى الانهيار.

مؤشرات وشفافية

لا عجب في ان يكون مؤشر “حق الوصول إلى المعلومات” واحداً من أهم المؤشرات التي تعتمدها منظمة الشفافية الدولية، لتصنيف الدول على سلم الفساد. إلا ان هذا المؤشر لا يرتبط فقط باتاحة المعلومات، بل بتبسيطها وجعلها مقروءة من الرأي العام. وهذا ما توصل اليه “معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي”. فأطلق في العام 2018 “موازنة المواطنة والمواطن” التي هي عبارة عن صيغة مُبسّطة للموازنة، يتم اعدادها بالتعاون مع مديريّة المالية العامة في وزارة المالية.

على عكس الموازنة العامة التقليدية التي تتألف من نحو الف صفحة والكثير من الجداول والارقام المبوبة فصولاً وبنوداً، تقع موازنة “المواطنة والمواطن” في نسختها للعام الحالي في أربع صفحات متوفرة على الموقع الالكتروني لـ”المعهد” و”الوزارة” وهي تقدم “زبدة” النفقات المنوي صرفها والمشاريع المنوي تنفيذها والايرادات المتوقعة وحجم الدين العام بالمقارنة مع الناتج المحلي. رسوم بيانية ملونة تسهّل على كل من يقرأها فهم كيف يصرف المال العام وما هو حجم الايرادات ومصدرها وكيف يتكون الدين العام وما هي التوجهات المالية وأبرز الاصلاحات.

موازنة 2020

إنطلاقاً من “موازنة المواطنة والمواطن” للعام 2020 التي تُقدر العجز (الفرق بين النفقات والايرادات) بـ 4836 مليار ليرة، نستطيع ان نعرف بسهولة على سبيل المثال ان 50 في المئة من النفقات أو ما يعادل 9934 مليار ليرة ذهبت على الرواتب والاجور، فيما لم تتعد النفقات الاستثمارية على المشاريع 2 في المئة أي 493 مليار ليرة. وهو ما يمكّننا من طرح السؤال الابرز عن حاجة القطاع العام غير المنتج لهذا الكم من الموظفين؛ والذي يقال ان 7 في المئة منهم يحصل على 50 في المئة من قيمة الرواتب والاجور. في الوقت عينه تتقلص حصة المشاريع الاستثمارية التي تخلق النمو والتنمية، إلى أدنى معدلاتها. ويظهر في شق النفقات بحسب الوظائف العشر الاساسية ان الانفاق على الحماية الاجتماعية يبلغ 4985 مليار ليرة، وهو ما يوجب على الرأي العام ملاحقة هذا الرقم، خصوصاً ان أكثر من 55 في المئة من الشعب اللبناني أصبح تحت خط الفقر ومآسي التعليم والاستشفاء لا تعد ولا تحصى. وأما الصادم فهو ارتفاع حجم الانفاق على الدفاع إلى 2421 مليار ليرة، في حين ان البلد لا يملك قراري الحرب والسلم.

بالانتقال الى شق الايرادات نستطيع ان نرى بسهولة مطلقة من أين تأتي الدولة بأموالها. فالضريبة على القيمة المضافة تؤمّن 2421 مليار ليرة. ولكن هذه الضريبة غير مستدامة بمعنى ان تراجع الاعمال وانخفاض الاستهلاك يقلصها بشكل كبير وذلك على عكس الضرائب على قطاع الاتصالات مثلاً. فقطاع الاتصالات الذي كان المصدر الأول للإيراد تراجع إلى المركز الثالث بعائد سنوي يقدر بـ 1630 مليار ليرة. أما الرسم الجمركي على الاستيراد فلا يحقق أكثر من 691 مليار ليرة وذلك على الرغم من ان البلد يستورد بـ 20 مليار دولار سنوياً، وهو ما من شأنه أن يكون خير دليل عن التهرب والتهريب الجمركي. مثله مثل الرسم العقاري الذي لا يؤمن أكثر من 575 مليار ليرة. ويأتي في آخر الايرادات كما تظهر الموازنة بوضوح الضريبة على الاملاك المبنية بـ 171 مليار ليرة فقط.